الخميس، 27 فبراير 2025

ذَهَبَتْ دُونَ عَلْمِ صَاحِبِهَا

ذَهَبَتْ دُونَ عَلْمِ صَاحِبِهَا، وَمَاتَ الضَّمِيرُ مِنْ بَعْدِهَا، إِنَّ النَّفْسَ الَّتِي ظَلَمَتْ لَمْ تَعُدْ تَعْرِفُ النَّوْمَ هَانِئًا. كَيْفَ لَهَا أَنْ تَغْمِضَ عَيْنَيْهَا وَحَمْلُ الظُّلْمِ يَثْقِلُهَا؟ كَيْفَ لَهَا أَنْ تَسْتَرِيحَ وَأَثَرُ الأَذَى يُطَارِدُهَا؟


فِي لَيْلٍ طَوِيلٍ مُظْلِمٍ، تَتَوَارَى فِي زَوَايَا الذِّكْرَيَاتِ، تَحْتَسِي مَرَارَةَ الفِرَاقِ وَتَحْلُمُ بِعَوْدَةِ الزَّمَانِ، لَكِنْ هَيْهَاتَ. يَبْقَى النَّدَمُ يُلاحِقُهَا كَظِلٍّ فِي طَرِيقٍ مُوحِشٍ، وَلَنْ يَغْفِرَ لَهَا الزَّمَانُ ذَنْبَ الظُّلْمِ.


مَعَ كُلِّ خَطْوَةٍ، تَشْعُرُ بِثِقْلٍ يَجُرُّهَا، كَأَنَّ الأَرْضَ تَشْتَكِي مِنْ وَطْأَةِ خَطَوَاتِهَا. وَكَأَنَّ السَّمَاءَ تَحْجُبُ عَنْهَا النُّجُومَ، حَتَّى لاَ تَكُونَ لَهَا قِبْلَةٌ فِي هَذَا الظَّلاَمِ.


يَسْقُطُ المَطَرُ، وَيَغْسِلُ الأَرْضَ، وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُهُ غَسْلُ ذُنُوبِهَا. تَنْظُرُ إِلَى الوُجُوهِ، وَتَتَسَاءَلُ كَمْ نَفْسًا ظَلَمَتْ مِثْلَهَا؟ كَمْ قَلْبًا جَرَحَتْ؟


تَبْحَثُ عَنْ السَّلَامِ، وَلَكِنْ تَجِدُ الطُّرُقَ كُلَّهَا تُؤَدِّي إِلَى مَاضٍ لَا يُرِيدُ أَنْ يُطْلِقَ سَرَاحَهَا. تَسْتَمِرُّ فِي السَّيْرِ، وَتَدْخُلُ فِي دَائِرَةٍ لاَ نِهَايَةَ لَهَا، كَأَنَّهَا تَرْقُصُ عَلَى لَحْنٍ مُتَكَرِّرٍ، لَا يَنْتَهِي.


يُحَاوِلُ الضَّمِيرُ أَنْ يُحَدِّثَهَا، وَلَكِنَّهُ صَوْتٌ ضَعِيفٌ بَيْنَ أَصْوَاتِ النَّدَمِ. تُحَاوِلُ أَنْ تَنْسَى، وَلَكِنَّ الذِّكْرَى تَعُودُ كُلَّمَا أَغْمَضَتْ عَيْنَيْهَا.


تَتَمَنَّى أَنْ تَجِدَ الغُفْرَانَ، وَلَكِنَّهَا تَعْرِفُ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ إِلَّا فِي القَلْبِ الَّذِي ظُلِمَ. تَجِدُ أَنَّ الحَيَاةَ قَدْ أَصْبَحَتْ سِجْنًا، وَأَنَّ الوَقْتَ قَدْ تَوَقَّفَ، كَأَنَّهُ يَنْتَظِرُ مَغْفِرَتَهَا.


فِي كُلِّ يَوْمٍ، تَسْتَيْقِظُ عَلَى أَمَلٍ ضَعِيفٍ، وَتَسْتَمِرُّ فِي الرِّحْلَةِ، تُحَاوِلُ أَنْ تَجِدَ الطَّرِيقَ إِلَى النُّورِ، وَلَكِنَّهُ بَعِيدٌ كُلَّمَا اقْتَرَبَتْ. تَجِدُ نَفْسَهَا مُحَاطَةً بِأَشْوَاكِ النَّدَمِ، تَنْزِفُ مِنْ جِرَاحٍ لَا تَبْرَأُ. تَعْلَمُ أَنَّ الطَّرِيقَ إِلَى السَّلَامِ مُمَهَّدٌ بِالشَّجَاعَةِ وَالعَفْوِ، وَلَكِنَّ النَّفْسَ الَّتِي ظَلَمَتْ تَخْشَى المَغْفِرَةَ كَمَا تَخْشَى النِّدَاءَ.


بَيْنَ هَذِهِ الأَحْدَاثِ، تُدْرِكُ النَّفْسُ أَنَّهُ حَانَ الوَقْتُ لِتُصْلِحَ مَا أَفْسَدَتْ، وَأَنْ تَسْتَعِيدَ رُشْدَهَا. تَجْمَعُ كُلَّ قُوَّتِهَا، وَتُقْرِرُ أَنْ تُوَاجِهَ أَخْطَاءَهَا، وَتُصْلِحَ مَا بَعْثَرَتْهُ مِنْ حَيَاتِهَا. تُوَاجِهُ الأَحْقَادَ وَالذِّكْرَيَاتِ، وَتَجِدُ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الغَفْرَانَ هُوَ المَفْتَاحُ لِلسَّلَامِ. 


بِعَزْمٍ وَإِرَادَةٍ، تَسْتَعِيدُ النَّفْسُ سَكِينَتَهَا، وَتَعْلَمُ أَنَّ الانْتِقَامَ الحَقِيقِيَّ لَيْسَ بِإِيقَاعِ الأَذَى، بَلْ بِالنَّجَاحِ وَالتَّفَوُّقِ عَلَى كُلِّ التَّحَدِّيَاتِ. فِي كُلِّ خُطُوَةٍ تَتَّخِذُهَا النَّفْسُ، تَقْتَرِبُ أَكْثَرَ مِنَ الحَقِيقَةِ، وَتُثْبِتُ لِذَاتِهَا أَنَّ المَاضِيَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَيِّدَهَا إِلَى الأَبَدِ.


أَخِيرًا، تَكُونُ قَدْ عَادَتْ لِلرُّشْدِ، وَتَفَوَّقَتْ عَلَى كُلِّ تَحَدِّيَاتِهَا، وَتَسْتَعِدُّ لِبَدْءِ حَيَاةٍ جَدِيدَةٍ مَلِيئَةٍ بِالنَّجَاحِ وَالإِنْجَازِ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

هزل فلا عزم

 نحن في صمتٍ وخِزْيانِ   نهوي كطيرٍ ضاع في البنيانِ   غزة تنادي في بقايا الكونِ   وأهلها يصرخون بلا أعوانِ   أين العروبة؟ أين وعد الإخوة  ضا...